تيسَّة.. مدينة تحت الضغط بين الاحتجاجات المحظورة والدور المفقود للقيادة المحلية

 

شهدت مدينة تيسَّة بإقليم تاونات يوم 27 سبتمبر 2025 احتجاجات ومظاهرات سلمية نظمها عدد من النشطاء والمواطنين للتعبير عن مطالبهم بتحسين ظروفهم المعيشية وحل المشكلات المزمنة التي تعاني منها المدينة، وعلى رأسها أزمة الماء والمشاكل الهيكلية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة السكان اليومية.

ورغم أن الاحتجاجات في مناطق أخرى من الإقليم، مثل تاونات، تمت إدارتها بسلاسة ومنحت السلطات خلالها المتظاهرين والصحافيين حرية التعبير وممارسة حقوقهم بشكل ديمقراطي، شكّلت تيسَّة استثناءً صارخًا. فقد منعت السلطات الاحتجاجات، وقمعت المتظاهرين والصحافيين الذين حاولوا تغطية الأحداث، مما أعطى صورة قاتمة للمدينة بعيدًا عن روح الديمقراطية وحرية التعبير.

ولا يقتصر الخلل في تيسَّة على السلطات فقط، بل يمتد إلى الدور المفقود للرئيس الإقليمي للمجلس، الذي يُفترض أن يكون قدّم نموذجًا للمدينة على الصعيد الديمقراطي والتنموي. هذا الرئيس، كونه من أبناء تيسَّة ويمثل قيادتها، كان بالإمكان أن يجعل من المدينة مثالًا للحداثة والتطوير، لكنه للأسف لم ينجح في ذلك، لتظل المدينة تعيش حالة من الجمود والركود، وسط ما يمكن وصفه بـ”الاحتضار الاجتماعي” الذي كشفه النشاط المدني والديناميكية المجتمعية التي تحاول دفع المدينة نحو التنمية.

كما أثار دور بعض الجمعيات وممثلي المجتمع المدني جدلاً واسعًا، بعد توقيعهم على ما يُشبه “مراسيم حظر” الاحتجاجات، مما طرح تساؤلات حول مدى احترام هذه الهيئات للحق الدستوري للمغاربة في التعبير عن آرائهم. هذا التلازم بين منع السلطات للاحتجاجات وتأييد بعض الجمعيات لهذه القرارات خلق حالة استثنائية في المدينة، وأصبح السؤال حول “من مهندس هذا الضغط؟” محور اهتمام الفاعلين المدنيين والمتابعين للشأن المحلي.

وعلى صعيد آخر، لعبت بعض وسائل الإعلام دورًا مثيرًا للجدل في تشكيل الرأي العام. فقد اتهمت بعض الصحف المتظاهرين والصحافيين بمحاولة إشعال الاحتجاجات، وصدرت توصيات متعجرفة تجاه الدولة، مطالبة أجهزة الأمن والمخابرات بالتحقيق مع هؤلاء الصحافيين، في موقف يعكس استغلال الإعلام لأغراض سياسية بعيدًا عن المهنية والمصداقية الصحفية.

إن ما جرى في تيسَّة يعكس فجوة كبيرة بين الخطاب الرسمي حول المغرب الديمقراطي الذي تحدث عنه الملك محمد السادس وبين الواقع المعيشي والسياسي في المدينة، ويطرح تساؤلات عميقة حول ضرورة احترام الحقوق الدستورية للمواطنين والصحافيين، وأهمية دور القيادة المحلية في جعل مدينتهم نموذجًا للحداثة والتنمية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.