زيارة أطلسية إلى مليلية المحتلة.. بين الحسابات الإسبانية والهواجس المغربية
تستعد الجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلسي لتنظيم زيارة غير مسبوقة إلى مدينة مليلية المحتلة أواخر شتنبر الجاري، حيث سيجتمع الوفد مع مسؤولين حكوميين وعسكريين إسبان، ويقوم بجولات ميدانية تشمل مؤسسات أمنية وعسكرية، إضافة إلى زيارة مركز استقبال المهاجرين وحضور عرض عسكري. الوفد يتكون من برلمانيين يمثلون عدداً من الدول الأوروبية والأطلسية، في خطوة تعكس رغبة مدريد في تثبيت صورة مليلية كجزء من أراضيها وحمايتها تحت المظلة الأوروبية، غير أن هذه الخطوة تأتي في سياق حساس يجعل من رد الفعل المغربي محط أنظار المراقبين، خصوصاً أن الرباط لم تتنازل يوماً عن مطالبتها بسيادتها على مدينتي سبتة ومليلية.
إسبانيا تسعى من خلال هذه الزيارة إلى تقديم مليلية كمدينة أوروبية آمنة تحت حماية مؤسساتها، مع الحرص على إعطائها طابعاً برلمانياً لا عسكرياً مباشراً لتجنب أي استفزاز صريح للمغرب. وفي المقابل، يظل الحلف الأطلسي متردداً في إدراج المدينتين بشكل رسمي ضمن مجاله الدفاعي، لكن التطورات الاستراتيجية الأخيرة تمنح مدريد فرصة لاختبار مواقف شركائها عبر خطوات رمزية من هذا النوع.
أما بالنسبة للمغرب، فإن الملف سيادي بامتياز لا يقبل التنازل، ورغم تحسن العلاقات الثنائية مع مدريد بعد أزمات سابقة، فإن أي محاولة لإضفاء شرعية أطلسية على الاحتلال قد تدفع بالعلاقات إلى منعطف جديد. الرباط توازن بين تعزيز شراكتها مع إسبانيا والحفاظ على موقفها الثابت بشأن استرجاع المدينتين، ما يجعل رد فعلها المقبل محل ترقب واسع.
هذه الزيارة، وإن لم تغير الوضع القانوني لمليلية، تحمل دلالات رمزية قوية وتعيد فتح ملف ظل يُدار عبر قنوات دبلوماسية هادئة. كما أن السياق الدولي المتوتر، من الحرب في أوكرانيا إلى الأزمات في غزة ومنطقة الساحل، يمنح الخطوة أبعاداً جيوسياسية أوسع تتجاوز ثنائية المغرب وإسبانيا. وفي العمق، قد تتحول سبتة ومليلية في السنوات القادمة إلى ورقة تفاوضية بين المغرب والحلف الأطلسي، تماماً كما كانت بعض الجزر المتوسطية أوراق ضغط في صراعات سابقة.