بني وليد: بين المؤهلات الطبيعية والتهميش الموجه

 

في قلب إقليم تاونات، حيث تمتزج الجبال بالوديان، تقف قرية بني وليد كمنطقة ذات مؤهلات طبيعية وثقافية غنية، لكنها في الوقت ذاته تعاني من تهميش مزمن وتعثر مشاريع تنموية صرفت عليها ميزانيات ضخمة دون أن تحقق الأثر المطلوب. هذه المفارقة بين الإمكانيات الهائلة والواقع المتردي تطرح تساؤلات جوهرية حول أولويات التنمية، دور المجالس الجماعية، ومدى جدية السياسات التنموية في المنطقة.

الموقع الجغرافي والمؤهلات الطبيعية

تقع بني وليد في مقدمة جبال الريف، وتحدها من الشمال *نهر ورغة ، مما يمنحها موقعًا استراتيجيًا يمكن استغلاله في مشاريع سياحية وزراعية مستدامة. تمتد مساحتها إلى 127.50 كلم ، وتتميز بتضاريس جبلية خلابة، حيث تنتشر الوديان الخضراء والغابات الكثيفة التي تمنحها طابعًا بيئيًا فريدًا.

الواقع التنموي المظلم: مشاريع بلا أثر

رغم الميزانيات الضخمة التي تم تخصيصها لمشاريع تنموية في بني وليد، إلا أن الواقع يكشف عن غياب التخطيط الاستراتيجي حيث يتم تنفيذ مشاريع لا تحترم أولويات الساكنة ولا تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الحقيقية للمنطقة. العديد من المشاريع التي تم إطلاقها لم يتم إتمامها، مما جعلها مجرد هياكل فارغة لا تخدم التنمية الفعلية.

تقاعس المجالس الجماعية المتعاقبة

المجالس الجماعية التي تعاقبت على تسيير شؤون بني وليد لم تتمكن من تحقيق نقلة نوعية في التنمية المحلية، حيث ظلت القرارات بعيدة عن الواقع المعيشي للسكان ، ولم يتم استثمار الموارد المتاحة بشكل فعال. هذا التقاعس أدى إلى تفاقم التهميش ، حيث بقيت المنطقة تعاني من نقص الخدمات الأساسية وضعف البنية التحتية.

الهجرة بسبب غياب فرص الشغل

نتيجة لهذا الوضع، أصبحت بني وليد تعاني من نزيف بشري مستمر ، حيث يضطر الشباب إلى الهجرة نحو المدن الكبرى بحثًا عن فرص عمل أفضل. غياب المشاريع الاقتصادية المستدامة جعل المنطقة غير قادرة على استيعاب طاقاتها البشرية، مما زاد من معاناة السكان المحليين.

غياب الكفاءات المحلية: بين الشعارات والواقع

من بين الإشكاليات الكبرى التي تعاني منها بني وليد، هو غياب الكفاءات المحلية الفاعلة ، حيث أن الدفاع عن مصالح المنطقة غالبًا ما يكون مجرد محاولة لإبراز الذات أكثر من كونه سعيًا حقيقيًا للتغيير. هذا الفراغ القيادي يجعل المنطقة رهينة قرارات عشوائية لا تخدم مصالحها على المدى الطويل.

بني وليد ليست مجرد منطقة جبلية، بل هي قصة صراع بين الإمكانيات المهملة والواقع المتردي . إذا لم يتم إعادة النظر في السياسات التنموية، وتعزيز دور المجالس الجماعية في خدمة مصالح السكان، فإن المنطقة ستظل عاجزة عن تحقيق نهضتها رغم كل المؤهلات التي تمتلكها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.